الغوص على اللؤلؤ

صيادو اللؤلؤ يتمتعون بخبرة واسعة جداً في معرفة طريقهم إلى أية ضفة يودون الوصول إليها، وهم قادرون على القيام برحلة مباشرة إلى هناك. ولا يسترشدون فقط بالشمس والنجوم وباتجاهات من اليابسة عندما يلمحونها، بل أيضاً بلون البحر وعمقه وبطبيعة قاعه. وبعض النواخذة يختارون الضفاف التي تدر عموماً عائداً معقولاً ويظلون فيها طيلة الموسم. وبعض القباطنة من ذوي المزاج الأكثر تفاؤلاً أو أقل منهجية، يظلون في حركة دائمة ويغيرون مسرح عملياتهم كل بضعة أيام. وقدرات الغواصين هي التي تحدد اختيار النواخذة لصفة اللؤلؤ. ويشكل عمق 8 قامات عمقاً عادياً، و12 قامة هو أقصى عمق ربما يستطيع الغواص العمل فيه دون انزعاج. غير أن الزوارق التي يوجد على متنها غواصون جيدون تستطيع العمل على ضفاف عمقها 14 قامة. وهناك رجال يستطيعون التعامل مع عمق 16 قامة من المياه، لكن إجهاد العمق عظيم جداً لدرجة لا يستطيع معها أن يتحمله طويلاً، حتى أقواهم، واحياناً تقع الحوادث المميتة لدى العمل على هذا العمق .
  في ضفاف اللؤلؤ يجري الغوص كل يوم أثناء الطقس الجيد. ويبدأ العمل بعد ساعة من شروق الشمس ويتوقف قبل ساعة من مغيبها. ويقتضي البحارة الفترة بين صلاة الفجر وبدء الغوص في فتح المحارات التي اصطيدت في اليوم السابق. ويتم ذلك بسكاكين معقوفة تسمى مفالق (مفردها مفلقة) تحت الإشراف الشخصي للنوخذة الذي يتولى مسؤولية اللآلئ بعد استخراجها ويسجل أوزانها وأوصافها في الفترات الفاصلة التي تعتبرها ضرورية. ومن أصل الصدف لا يحتفظ إلا بأفضلها – أي 3 أو 4 بالمائة منها، بينما يعاد الباقي إلى البحر مع المحارات الصغيرة السن دون فتح المحارات التي لا يعتقد أنها تستطيع البقاء حية بعد انفصال مدته 16 ساعة في المتوسط، عن موطنها الأصلي. وعملية فتح المحارات مزعجة، بسبب رائحتها وبسبب الحشرات التي تنجذب إليها أحياناً.
  وحالما ينزلون إلى الماء، يستمر العمل دون انقطاع حتى الظهر (في موسم اللؤلؤ حوالي الساعة 1.30 أو 2.00 بعد الظهر) حيث يتوقف لأداء الصلاة وتناول بضعة فناجين قهوة ولأخذ قسط من الراحة لمدة ساعة. ولا يتوقف مرة ثانية، عقب استئنافه، في فترة بعد الظهر حتى اقتراب المساء. وبعد صلاة المغرب أو العشاء، يتناول الصيادون وجبة كبيرة من السمك والأرز والتمر، ومن ثم تناول قليل من القهوة، يخلدون إلى الراحة طيلة الليل .
  وقبل أن ينزل الغواص إلى البحر، يخلع ملابسه ويضع زوج كماشات مصنوعة من قرون الحيوان تدعى فطام (جمعها أفطمة) على أنفه لكبس منخريه، ويسد أذنيه بالقطن أو شمع النحل ويضع أغطية جلدية للأصابع تدعى خبط (مفردها خبطة) لحماية أصابعه من الاحتكاك بأشياء حادة، كما يعلق كيساً صغيراً بجسده يدعى دّيين (جمعها ديايين) من الليف الهندي وذلك بتعليقه حول عنقه أو بتثبيته حول خصره. ولمساعدته في الهبوط يكون معه حجر أو رصاص للغوص يزن من 10 إلى 14 رطلاً. ويربطه بحبل يدعى زيبل (جمعها زيابل) ويوجد فوق الوزن أنشوطة يضع الغواص فيها قدمه وهكذا يتم إنزاله إلى قاع البحر. ولدى وصوله إلى القاع يخرج الغواص قدمه من الأنشوطة في الزيبل التي يرفعها على الفور زميله الذي يهتم به ويمضي في تلمس طريقه عند القاع بيد وقدم واحدة، مستخدماً القدم الأخرى لدفع نفسه واليد الطليقة لجمع المحارات التي في متناوله ويضعها في الديين. ويقال إن المحارات توجد عادة مفتوحة الفاه، لكنها تغلق فاهها لدى الاقتراب منها. وعندما لا يستطيع حبس أنفاسه أكثر، يعطي الغواص الإشارة للسيب أي لزميله بهز الإيدا التي يتمسك بها، ويُسحب إلى السطح فوراً وتؤخذ منه الأصداف التي جلبها معه. ويقوم الغواص بجمع الأصداف في غوصة واحدة أو تبة (جمعها تبات) ويتراوح عددها عموماً بين 3 و20 صدفة. لكنه أحياناً يعود خالي اليدين تماماً. والوقت الذي تستغرقه الغوصة يتراوح من 40 إلى 75 ثانية. لكن لا يستطيع إلا قلة من الغواصين البقاء تحت الماء أكثر من دقيقة واحدة. وفي الفترات الفاصلة بين الغوصات، يستريح الغواص في الماء، إلا إذا كان البحر مائجاً، حيث يستند إلى مجداف أو حبل يتدلى من جانب المركب. ويقوم الغواص نفسه بعدد من الغوصات يصل إلى 50 في اليوم إذا كان الطقس مؤاتياً، لكن العدد يُخفض إلى عشرة أو عشرين إذا كانت المياه باردة. ونادراً ما يتعرض الغواص لهجوم من جانب سمك القرش (الجرجور) أو كلب البحر وأحياناً يصاب الغواصون بلدغة من سمك الهامة، وعندما تكون موجودة بكثرة يرتدي الغواص قميصاً أبيض طويلاً لحماية نفسه من تطويقها له. ويزداد إجهاد الغوص جداً عند تيار، وحيث توجد تيارات يعوم الغواص غالباً إلى مسافة من الزورق ويصعد وقد أصيب بإعياء شديد. وفي هذه الأماكن يسمح بأن يربط حبل طويل بالزورق يستطيع الغواص أن يسبح عليه ليصل إلى السطح حيث يقوم السيب برفعه .

منقوول
Powered By Blogger